تاريخ عسير
لم يكن مصطلح (عسير) الإقليم والمنطقة والبلاد معروفا لدى المؤرخين والجغرافيين الأوائل كما كان الحال في أسماء: اليمن والحجاز واليمامة والبحرين والتي كانت تابعة لدار الخلافة في المدينة ثم دمشق ثم بغداد، إذ لم تكن عسير معروفة بوصفها وحدة جغرافية وإدارية خلال العصور الإسلامية المبكرة والوسيطة، لكنها تمتعت باستقلال إداري دون غيرها من مناطق الجزيرة العربية نظرا لصعوبة تضاريسها فلم تكن مطمعا لحكام الإمارات المجاورة، بل كانت أي محاولة في هذا الاتجاه تبوء بالفشل بسبب شدة مراس أهلها وأنفتهم وعدم خضوعهم لغيرهم.
لقد ظهر اسم (عسير) مصطلحا سياسيا وجغرافيا أواخر القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر للهجرة وبخاصة عند الكتاب الغربيين، وإن كان مقتصرا في جغرافيته عند كثير منهم على أبها وما أحاط بها من جبال وتلال، ومنهم من أضاف مناطق أخرى تمتد شمالا إلى الليث وغامد وزهران وبيشة، وجنوبا إلى ظهران الجنوب ونجران وجازان، وهذا التباين نتج من الأحداث السياسية والعسكرية التي عاشتها المنطقة، فالإمارة في أبها امتد نفوذها إلى مناطق أبعد شمالا وجنوبا لتكون تسمية مبنية على المفهوم السياسي والتاريخي دون المفهوم الجغرافي.
ومن المؤكد أن هذه المنطقة قبل العصر الحديث والمعاصر كانت منسية في أغلب كتب التراث الإسلامي، إذ عاشت عزلة عن بقية بلدان العالم، أما في العصر الحديث والمعاصر فقد كان الوضع أحسن حالا إذ بدأ الاهتمام بها من الناحية العلمية والفكرية فظهر خلال القرنين الماضيين عدد من المؤرخين بدأوا بالكتابة عنها وإبراز أهميتها السياسية والحضارية.
عسير: التاريخ والسياسة:
منذ السنوات الأولى في القرن 13 الهجري (19م) وعسير بجميع قبائلها كانت تُحكم عن طريق رؤساء القبائل المحليين، في الوقت الذي ظهرت فيه دعوة الإصلاح التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكان رجع صداها في بلاد عسير بظهور بعض المصلحين ومنهم محمد وعبد الوهاب أولاد عامر أبي نقطة المتحمي، اللذَيْن قاما بنشر مبادئ الدعوة بين أهالي عسير، وعملا جاهدين على حكم البلاد العسيرية تحت مظلة الدولة السعودية الأولى، ومن بعدهما على ذات المنهج تولى إمارة عسير ابن عمهما طامي بن شعيب، حتى أصاب المنطقة ما أصاب نجد والحجاز من غزو جيوش العثمانيين، فسقطت الدولة السعودية الأولى واستتبع ذلك سيطرة العثمانيين على عسير، ودخول المنطقة في معارك كر وفر مع الحامية التركية في أبها، حتى تمكن أحد أمراء عسير وهو الأمير سعيد بن مسلط من طردهم، وإجلائهم، لتبقى عسير مستقلةً عن العثمانيين لأكثر من نصف قرن، حتى جاءت حملة رديف باشا عام 1288هـ / 1871م، فقضت على إمارة الأمير محمد بن عائض، وأخضعت المنطقة لحكمها، حيث بات يتولى أمرها والٍ عثماني يقيم في أبها، واستمر الحال كذلك حتى عام 1337هـ / 1919م.
والحقيقة أن سلطة الأتراك كانت اسمية حيث لم يكن الولاء لهم يمتد لأكثر من المراكز العسكرية والثكنات وبعض المدن، وما عدا ذلك فالسلطة الحقيقية بيد شيوخ القبائل، وخلال هذه الفترة نجح الإدريسي في اقتطاع أجزاء من منطقة عسير، وبلغ به الأمر أن حاصر أبها محاولا ضمها لنفوذه غير أنه فشل وعاد إلى صبيا، وفي عام 1338هـ دخلت عسير تحت العصر السعودي الحديث ولا زالت أبها هي حاضرة منطقة عسير.
عسير: في عهد المؤسس:
رحل العثمانيون من شبه الجزير العربية، وظهر الملك عبد العزيز في نجد مصمما على توحيد أطراف شبه الجزير العربية تحت راية التوحيد والكلمة الجامعة، وسار في هذا الاتجاه بخطى وئيدة، ولكنها ثابتة وحازمة، فلم يبادر بإنشاء دولة موحدة بمجرد ضم الحجاز، بل جعل الحجاز مملكة مستقلة ذاتيا لفترة 8 سنوات أصدر خلالها الأنظمة في الحجاز وحدها، لأنها كانت مهيأة لتقبل ذلك على عكس نجد، التي ألفت بعد ذلك هذه التطورات، وتقبلتها عندما شاهدت أثر النموذج الحي في الحجاز.
لم تكن عسير وهي جزء من الدولة السعودية الحديثة بعيدة عن الأثر، إذ كانت قابليتها للنظم العصرية أكبر من نجد، نظرا للحكم العثماني السابق وتقاربها في ذلك مع إقليم الحجاز، حيث كانت تسود بعض التشريعات التي تم الإبقاء عليها تمهيدا لضبط نظام الحكم في البلاد السعودية الحديثة.
وكانت أول إشارة تتعلق بالتنظيم الإداري لإمارة عسير في الأمر السامي الكريم رقم 2/ 4/ 4 وتاريخ 5/ 6/ 1358هـ وهو القرار الخاص ببعض الترتيبات الخاصة ببلاد عسير، حيث نجد أن إمارة عسير قد أصبحت كيانا إداريا منظما يتبعه العديد من المراكز والملحقات المحددة بتشكيلات إدارية واضحة، واستمرت التشريعات المنظمة تباعا في عهد الملك المؤسس.
ولقد سار أبناؤه الملوك على نهج والدهم في البناء والحكم متخذين كتاب الله وسنة نبيه منهجا لحياتهم ودستورا لبلادهم وشعبهم، وبهذا الأسلوب في الحكم استطاعوا أن يصلوا بهذه البلاد المباركة إلى مصاف البلاد المتطورة في جميع جوانب الحياة.
ومازالت عسير كما كانت وستبقى مجالا رحبا للدراسة والتأمل، لا سيما وهي تدخل عصر نهضة جديد باستراتيجية تأخذها نحو آفاق عالمية بهمة ملك وعزم أمير وطموح مجتمع حيوي.